أهداف بلا شراع

الكثير منا يبني أهدافه جيداً، ويكون لديه السعي والمثابرة لها، ويصارع الحياة ويضحي بجهد وأموال وراحة نفسية وملذات العيش في سبيل تحقيقها؛ لكنه في كل ذلك ينسى شيئاً هاماً، وهو أن يسأل نفسه سؤالين؛ أولهما: هل يستحق هذا الهدف ما أفعله لأجل الوصول إليه؟.. والسؤال الثاني: ماذا يمثل هذا الهدف بالنسبة لي؟
ويعنينا هنا أن نجيب على السؤال الثاني؛ أما السؤال الأول فسيكون لنا معه لقاء آخر إن شاء الله.
ننسى أن نسال أنفسنا: ماذا يعني هذا الهدف بالنسبة لي؟ بمعنى آخر، ننسى ما يسمى بمبرر الهدف.. فالإنسان يتمنى أن يكون مُلِمًّا بلغات العالم كله.. وهل يكره أحد ذلك؟! ويتمنى أن يكون خبرة في برامج الكمبيوتر ولغات البرمجة "برضه مش بطال".. ويتمنى أن يكون مرجعاً في الطب والعلوم والهندسة والأدب "زيادة الخير خيرين".. وملماً بآداب وتاريخ العالم.. وأن يملك مواهب الغناء والرسم والكتابة.. ويتمتع بذكاء خارق وذاكرة حديدية وعقلية علمية لا تضاهى.. وأن يملك من القصور والخدم والسيارات الفارهة والشركات ما لا يعلم عدده إلا الله.. وأن يكون صاحب كرامة وعبادة ومحبة خاصة لله تعالى.. وأن يكون من حَفَظة كتاب الله الكريم.. وأن يكون فقيه ومفتي الأمة.. وأن تكون الفتاة ذات جمال مبهر وأنوثة لا تقاوم ورقة تذيب الجبال.. وأن يكون الرجل أجمل الرجال وأقواهم وأكثرهم جاذبية، وأن يملك من الزوجات والنساء والجواري ما لا يُعدّ ولا يحصى.
أليست هذه معظم أحلامنا؟ كلها أحلام جميلة وتستحق الاحترام والتفكير والتقدير والسعي والبذل والجهد.. لكن، أهم من الهدف هو مبرر الهدف..
ليست القضية أن أبحث عن هدف لأحققه؛ بل أن أبرر سبب اتخاذي لهذا الهدف هدفاً.. أي أن يتحول الهدف بالنسبة لي إلى وسيلة أحقق من خلاله غاية أكبر وأسمى، لا أن يكون الهدف هدفاً فقط في ذاته..
أريد أن أصبح عالماً لأني أحب العلم وأريد أن أكون مثل فلان.. أريد أن أكون زوجة رائعة لأني أحب زوجي جداً وأريد أن أسعده.. أريد أن أكون رساماً موهوباً ومبدعاً لأني أجد بداخلي طاقات متفجرة لا يفهمها من حولي وأريد أن أعبّر عنها بلغة خاصة تجسّد ما بداخلي من تجريد للفن.. أريد ان أحفظ القرآن الكريم حتى أتقرب لله تعالى وحتى أستطيع المتابعة والتدبر والإلمام بعلومه الأخرى.. إلخ.
وربط هذا الهدف برسالة ذاتية هو ما يضمن له الاستمرار والتقدير والحافز، ويكسبه احترام غالبية المحيطين، ولا يترك لك لحظة للندم على ما قدمت من تضحيات للحصول عليه؛ لأنك تعرف بالضبط قيمته وتعلم ما ستفعل به بعد وصولك له، وما الذي سيفتحه لك من آفاق، وكيف يتحول بعد الحصول عليه إلى وسيلة لغاية أسمى وأكبر وأعلى، تصنع من النجاح نجاحاً ومن الطموح مستقبلاً؛ لا أن يتوقف عند مجرد الفرحة به ثم تنتهي الحياة عند هذا الحد.
للأسف يا أصدقائي الكثير منا يسعد بتحديد أهدافه، وهي سمة جميلة وأمارة وعي ونضج، لكن الأكثر منها نجاحاً ونضجاً وخلاقاً لسلسة من السعادة والتجديد معاً، هو أن نعرف مبررات أهدافنا، في ظل حياة لا تنتهي إلا بانتهاء صاحبها.
ولنتذكّر أن الأفضل من الحفاظ على الحياة هو أن نتعلم كيف نعيش الحياة.